التفاؤل والرجاء
بقلم قداسة البابا شنودة
20\6\2010
إن التفاؤل يأتي من الإيمان بعمل الله من أجلنا, ومن الرجاء بأنه لابد سيعمل عملا بالتفاؤل يري الإنسان أن الليل مهما بلغ ظلامه, لابد سيأتي بعده الفجر المنير, وأن برد الشتاء يعقبه دفء الربيع,
وهكذا يتأمل الشخص في النقاط البيضاء في كل ما حوله, وبالإيمان يري الخير في كل شئ.لاينظر الي الظلمة الحالية, بل إلي النور الذي سيأتي, لاينظر إلي ما يراه الآن, وإنما ما أعده الله له فيما بعد.
** وقد كنت أقول للذين في ضيقة: تذكروا ثلاث عبارات هي ربنا موجود كله للخير مصيرها تنتهي, فلا توجد ضيقة تستمر, فمهما طال زمانها لابد انها ستنتهي, انما تأخذ شكلا هرميا, فترتفع حتي تصل الي قمتها, ثم تنحدر الي أسفل وتنتهي, وتنتهي علي خير وحقا كله للخير, لان ربنا موجود, فبالرجاء يتأكد الشخص ان الله لابد سيتدخل وحينئذ سوف تزول كل المشاكل وينصلح الأمر, إن نظرة الخوف والشك تجلب اليأس, أما نظرة التفاؤل والإيمان فانها تؤكد ان الله لابد سيعمل عملا, ولو في الساعة الرابعة والعشرين.
والإيمان يقول: ليس ما نراه نحن, إنما ما يراه الله لأجلنا وليس ما نعمله نحن, إنما ما يعمله الله من أجلنا, وعمل الله في القديم, يعطينا الثقة والرجاء بعمله في المستقبل, إن عمل الله قادر أن يغير القلوب, وأن يبنيها من جديد.
** كثيرون جدا تصغر نفوسهم أمام المشاكل التي تبدو معقدة, وبلا حل, فتزيد حروب الشيطان من متاعبهم, ويحتاجون إلي كلمة تعيد إليهم الرجاء, يحتاجون الي نافذة من نور تبدد الظلمة التي تكتنف نفوسهم, والرجاء إذن هو شئ هام في الحياة, ولو فقد الإنسان الرجاء, فقد كل شئ, بل قد يقع في اليأس ويقع في الكآبة, وتنهار معنوياته, ويقع في القلق والاضطراب ومرارة الانتظار بلا هدف.
وقد يقع ألعوبة في يد الشيطان الذي يقال عنه إنه يقطع الرجاء.
اما الانسان الروحي فمهما تعقدت الأمور أمامه, ومهما بدي أن الله قد تأخر في إرسال المعونة, فإنه لايفقد رجاءه أبدا, إنه يؤمن بأن غير المستطاع عند الناس, هو مستطاع عند الله, وأن كل ما أمر مهما بدي مستعصيا وصعبا ومعقدا, فهناك رجاء يقدمه الله.
** إن الانسان الروحي لايري أن الله سيعمل في المستقبل, فهذا إيمان ضعيف, وإنما هو يؤمن أن الله يعمل حاليا, وإن كان لايري عمله, لكنه واثق تماما أن الله يعمل ويكون له رجاء بنتيجة عمله التي سيراها فيما بعد, إنه لاينظر إلي الضيقات, إنما ينظر إلي الله الذي يبعد عنه الضيقات, لذلك فإن الرجاء يصاحبه في كل حين, وفي كل حال, ولا يفارقه أبدا, إنه رجاء في محبة الله, وفي مواعيده الصادقة, ورجاء في قوة الله القادر علي كل شئ, رجاء في أن الله الذي عمل في القديم, والذي يعمل كل حين, هو قادر أن ينجيه من كل ضيقة, وهذا الرجاء في معونة الله, يعطي الإنسان سلاما في القلب, وطمأنينة في الداخل, وفرحا لعمل الله.
** والذي يعيش في الرجاء, ينظر دائما بابا مفتوحا في السماء, مهما كانت أبواب الأرض مغلقة, فالله حينما يفتح لايستطيع أحد أن يغلق, والإنسان المؤمن يعرف تماما أن الله يحبنا أكثر مما نحب أنفسنا, ويعرف الخير لنا أكثر مما نعرف الخير لأنفسنا, ويوقن أن الله يدبر أمور الكون كلها حسب حكمته غير المحدودة.
ويقول في ضميره إن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله, ونقصد الخير بالمقاييس الإلهية, وليس الخير بمفاهيمنا البشرية, ويقول احيانا اذا ضاقت به الأمور: إن المر الذي يختاره الرب لي, خير من الشهد الذي أختاره لنفسي.
** والمؤمن يري ـ في حياة الرجاء ـ أن كل مشكلة لها عند الله حل أو عشرات الحلول, وأن كل الأمور التي تمر بنا في حياتنا: إن كانت خيرا فسوف تصل إلينا بكل بركة, وإن كانت شرا, فإن الله صانع الخيرات سيحول الشر الذي فيها إلي خير, والمؤمن يثق ايضا أن حياته هي في يد الله وحده, وليست في أيدي الناس, ولا في أيدي التجارب والأحداث, ولا في أيدي الشياطين.
وما دامت حياته في يد الله, فإن الله سوف يحفظه في سلام, ويحرسه في الليل والنهار, ويحفظ دخوله وخروجه.
** لذلك إن كانت لديك مشكلة فانتظر الله لكي يريحك وينقذك منها, ولكن لاتنتظر الرب وأنت متضايق وخائف ومتذمر وفي ضجر.
وتقول في داخل نفسك: لماذا لم يعمل الرب حتي الآن؟ وأين محبته ورعايته وأين عمله؟ نعم لاتنتظر عمل الرب وأنت في شك من المستقبل, وفي شك من قيمة الصلاة وفاعليتها!! إن كل تلك المشاعر ضد فضيلة الرجاء, فالانسان المضطرب أو اليائس أو المنهار, إنما يدل علي أنه فاقد الرجاء. اما منتظرو الرب فإنهم ينتظرونه في قوة غير خائفين, وإنما يثقون بمواعيد الله السابقة وبصفاته الإلهية المحبوبة, باعتباره الراعي والحافظ والساتر والمعين, وأنه رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين, وأنه يعطينا باستمرار دون أن نطلب وقبل أن نطلب فكم بالحري إذا طلبنا.
** وأعرف تماما ان الله إذا سمح لك بضيقة, فإنما يكون ذلك لمنفعتك, والضيقات هي دائما مدرسة الصلاة, ربما حياة التنعيم تبعدنا عن الله.
اما الألم فإنه يقربنا اليه, فتصير صلواتنا أعمق وأكثر, وتصير أصوامنا أكثر روحانية, إن الضيقات التي احتملها داود النبي, صارت نبعا لمزاميره, يغنيها علي العود والقيثار والمزمار, وصارت ينبوعا لتأملات روحية, وصلوات عميقة تصليها الأجيال من بعده, بل الضيقات أعطته قوة في شخصيته.
** ومن جهة الأمراض, فعلي الرغم من أن المرض آفة يحاربها الناس, ويهربون منها الي الطب والدواء, فإن أمراضا كثيرة قادت إلي التوبة, وفعلت ما لم تفعله أعمق العظات, وبخاصة الأمراض الخطيرة والمؤلمة, فكم قد أدخلت كثيرين في عهود مع الله, وفي نذور قدموها إليه, وفي حياة جديدة معه, أو في توبة واستعداد للموت, حقا إن كل الأمور تعمل معا للخير, لذلك عش سعيدا مهما حدث لك, وقل في ثقة كله للخير.