كلمة قداسة البابا شنودة الثالث
فى الذكرى الأولى لنياحة البابا كيرلس السادس
لقد مضى عام على نياحة البابا كيرلس السادس , وليست ادرى كيف أمضى هذا العام على ألألاف والملايين من محبيه , الذين لم يكن فى استطاعتهم أن ينسوا بركاته كل يوم , والذين كان صعباً عليهم أن يحرموا من شخصيته ومحبته وصلواته وقداساته .
ونحن بعد هذا العام نقف لنلقى كلمة وفاء بسيطة , ومهما كانت هذه الكلمة , فلا يمكن أن تفى أو ترتفع إلى المقام العظيم الذى يجلس فيه البابا كيرلس السادس .
إن البابا كيرلس , نيح الرب نفسه فى فردوس النعيم , أمضى حوالى 40 عاماً فى خدمة الكهنوت , وفى خلال تلك الفترة , حرص فى كل يوم أن يقيم القداس الإلهى .
لقد كان يحلو له أن يصلى جميع الصلوات , ويترنم بألحان التسبحة , ويصلى المزامير , ولا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله إنسان مثل البابا كيرلس السادس , إستطاع أن يقيم مثل هذه القداسات , لقد حاولت ان احصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته , فوجدت أنه صلى ما يزيد عن 12000 قداس ( بإستثناء الخمس سنين الخيرة التى مرض فيها ) وهذا أمر لم يحدث فى تاريخ أى بابا من باباوات الإسكندرية أو العالم أو الرهبان .
وكان يجد تعزية فى صلوات القداس , ولذة روحية فى صلوات التسبحة , وكل الذين يعرفونه شاهدوه ينزل من المقر الباباوى فى الثالثة صباحاً , ويصلى صلاة نصف الليل , ويرتل التسبحة بنفسه مع المرتلين فى الكنيسة , ثم يصلى القداس , ويخرج فى السادسة صباحاً قبل أن يصحو الناس .. كان عجيباً فى صلواته , وكانت الصلوات تتبعه فى كل مكان .
ومن محبته فى الصلاة إختار حياة الوحدة , فعاش متوحداً مدة طويلة , وتتلمذ على أكبر أستاذ كتب فى الوحدة فى تاريخ الرهبنة وهو القديس مار أسحق - لقد قرأت مئات الكتب النسكية , فلم أجد أعظم من كتابات مار أسحق عن حياة الوحدة والسكون .
ولقد كان البابا كيرلس يحب مار أسحق , ويقرأ كلماته ويحفظ الكثير منها , ونسخ بنفسه كتاب مار أسحق على ضوء شمعة فى مغارته وعلى لمبة من الغاز .
عاش فى وحدة فى مغارة قرب دير البراموس , يسهر الليالى فى قراءة أقوال الاباء , ويصلى فى الفجر ويقيم القداسات , وعاش فى طاحونة قرب مصر القديمة , ثم فى الكنيسة التى بناها بنفسه فى مصر القديمة , ولم يخرج من بابها إلا للضرورة القصوى , و‘ندما اعتلى كرسى مار مرقس , لم تتركه حياة الوحدة , بل كثيراً ما كان يذهب إلى دير مار مينا بصحراء مريوط .. وكان يريد أن يمتلئ من ثمار الوحدة لنفسه .
الوحدة كما تعلمها البابا كيرلس من مار أسحق , هى الإنسلاخ من الكل للإرتباط بالواحد .. لذلك كان كثير الصلوات , حتى فى اثناء وجوده وكلامه مع الناس .. كان صموتاً لا يتكلم كثيراً , لكى يعطى نفسه فرصة التأمل والصلاة , وكان أيضاً يعهد إلى الرب بمشاكلة , ويرى أن القداسات والصلوات هى التى تحل له المشاكل وليست المجهودات البشرية , وكلما كانت تحيط به الضيقات , يلجأ للوحدة والصلوات والقداسات , شاعراً أن معونة الرب هى أكبر من كل معونة بشرية , لقد اعطانا مثلاً كبيراً فى حياة التأمل والخدمة , مع أن جميعها ليس بالأمر الهين السهل , فقد كان يخدم الكنيسة بأقصى ما يستطيع , ومن جهة أخرى , يختلى بنفسه , ويأخذ من التأمل والوحدة على قدر ما تعطيه إمكانياته .
عاش كمرشد روحى للكثيرين فترة طويلة , وقبل أن يصير بابا الكرازة المرقسية كان ابا فى الإعتراف لمئات من طالبى إرشاده الروحى , وقد عرفت قداسته فى سنة 1948 م حينما كنت أتردد على كنيسته فى مصر القديمة , وإنتهى بى الأمر إلى أن سكنت هناك أتمتع بقداسته وصلواته ورعايته وإرشاده بقداساته وصلواته ورعايته وإرشاده فى ذلك الجو الجميل فى كنيسة مار مينا بمصر القديمة , كان كل زائر للكنيسة يذهب إلى القمص مينا المتوحد لكى يأخذ منه بركة وقوة وإيمان , وكنت فى زياراتى للدير فى وادى النطرون أرجع مباشرة إليه , فيسألنى عن الرهبان واحداً واحداً , لأنه يعرفهم باسمائهم , ويطمئن على كل واحد منهم , وكنا فى دير السريان نعتبر أنفسنا أبناء له , وكنا نذهب إليه فى أوقات متفرقة ونسترشد برأيه , وعندما ترك دير البراموس وذهب إلى دير النبا صموئيل , حيث عين رئيساً له , عمره وبنى القلالى المتهدمة فيه , كان محباً للأديرة , فرعى دير السريان , ودير البراموس , ودير الأنبا صموئيل , وبنى دير مار مينا , وبسط محبته على باقى الديرة .
كان البابا كيرلس رجلاً تتمثل فيه فضائل عديدة , فقد كان إنسانا بسيطاً هادئاً , وكان حكيماً عميقاً فى التفكير , كان يتميز أيضاً بالبكاء فى صلاته وفى قداساته , بل أننى أذكر أنه عندما وقعت القرعة الهيكلية على قداسته ليكون بطريركاً , جاء لزيارة وادى النطرون , وعندما اتى إلى دير السريان , طلب منى إلقاء كلمة للأب المختار للباباوية , فتكلمت قليلاً , وإذا به يمسك منديله ويمسح عينيه من الدموع , وتأثرت كثيراً ببكائة أمام جميع الناس .
كان طيب القلب , وإذا غضب أو تضايق , وظن الناس أنه فى ثورة كبيرة تجده للوقت يبتسم , أقل كلمة ترضيه وترجع الإبتسامة إلى وجهه ز
كان الناس يعجبون من صفحة وهدوئه وطيبة قلبه , وكانت له ايتسامة رقيقة يشرق معها وجهه كله , ويشعر الناظر إلى عينية أنه امام أنسان بسيط وليس أمام شيخ فى حوالى العقد السابع من عمره , لذلك كان محبوباً من الكل وله شعبية كبيرة .. حتى أن ألاف الطلبة كانوا يأتون فى ايام الإمتحانات يلتمسون بركته وصلواته , إستطاع فى فترة بسيطة أن تكون له شعبية فوق العادة , فعندما تذهب إلى البطريركية تجدها مزدحمة بالناس .. الكل يأتون إليه طالبين الصلوات أو البركات أو حل المشكلات , كثيرون لم يأتوا إليه لكى يعطيهم آراء عميقة أو صلاة طويلة , وإنما يكفيهم أن يقول لهم كلمة : " إن شاء الهنا يحلها " وهذا يقنعهم أكثر من ألاف الآراء المقنعة .
لذلك عنما تنيح البابا , تعطلت الشوارع المحيطة بالبطريركية من كثرة الناس الذين اتو لألقاء النظرة الأخيرة عليه , عشرات الألوف سدوا كل الطرق حتى أن رجال البوليس يذلو مجهوداً كبيراً يشكرون عليه من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة مساءاً والوفود لا تنقطع , الكل يريد أن يأخذ بركة البابا الراحل , وكان يوم الصلاة على جثمانه الطاهر يوماً عجيباً فى إزدحام الناس .
كان أول بابا فى جيلنا الحاضر فتح بابه لكل إنسان , كل فرد كان يستطيع أن يجلس معه ويكلمه بلا مانع ولا عائق , وهكذا إستطاع بشعبيته وبمقابلته لكل واحد أن يقضى على فكرة حاشية البطريرك , لأن كل أنسان يستطيع أن يعطيه المعلومات اللازمة فى أذنه مباشرة , فيعرف حقائق الأمور بطريق مباشر وليس عن طريق آخر , ولذلك كان يعرف تفاصيل التفاصيل فى كنيستنا المقدسة .
لقد تميز بذاكرة قوية يندر أن يتمتع بها غيرة , ذاكرة تستطيع أن تلم بأشياء يعسر على عقل بشرى عادى أن يلم بها , فكان يعرف كل الخدام ومشاكلهم فى دقة عجيبة , ويذكر كل الذين يقابلونه بأسمائهم , ويسلم على الشخص فيسأله عن حاله بطريقه وثيقة ويشعره بأبوته وإهتمامه بشخصة وبأن له مركزاً خاصاً فى عقل الرجل وقلبه , وكان عجيباً فى هذه الذاكرة , وإهتمامه بكل واحد جعله لا يعطى راحة لجسدة وفكرة , ولذلك ما أن مرت عليه 8 سنوات فى البطريركية , إلا وتكاثرت عليه ألمراض , ولم يعد الجسد قوياً كما كان فى أول عهدة , فالنير الشديد الذى تحمله البابا كان عظيماً وسط تجارب متنوعة وضيقات كثيرة .. أمراض كان يحتملها فى صمت عجيب دون أن يشكو لأحد .. كان المرض يهزة هزات قد تقلق راحة الأطباء المعالجين لقداستة , ومع ذلك لم يتكلم .. وإذا سأله أحد عن صحته قال وهو يبتسم : " الحمد لربنا .. كويس " وكان يؤمن بأن الرب يستطيع ان يتدخل أكثر من الأطباء ويشفى أكثر من الدواء , فى فترات مرضه , كان يحرص أن يسمع القداس الإلهى , لذلك أمر أن توضع سماعة فى حجرته الهاصة تنقل إليه صلوات الكنيسة يومياً .
لم يكن يستخدم كتاباً فى قداساته وصلواته فى كافة المناسبات , لذلك كان يصلى من قلبه , وأعترف أنه يعتبر أستاذاً فى الطقوس الكنسية فى جيلنا الحاضر , وأنتم تعلمون أن طقوس الكنيسة تؤخذ بالتسليم , وكان خبيراً بالكنيسة وطقوسها خبرة عجيبة , وكان قوى الشخصية , وله هيبة عند كثيرين .. وكان وقاره يطغى على الذين يقابلونه كما تطغى عليهم محبته , كان قوى الإرادة عنيفاً متمسكاً فيما أعتنقه ولا يمكن أن يتزعزع , بل راسخا ثابتاً كأنه جبل من الجبال , لا تؤثر فيه ألحداث ولا المقاومات , وإنما يكفى أن يكون مقتنعاً بفكرته , وإستطاع أن ينجح فى كل الأمور التى أمسكتها يداه , وكل الذين وقفوا ضده فى طريقة لم ينجح منهم أحد , كان إنساناً جمع بين الوداعة والقوة , والبساطة والحكمة , والبكاء والحزم , جمع بين امور كثيرة قد يظن الناس أن بين بعضها والبعض الآخر شيئاً من التناقض .
كان البابا كيرلس رجل تعمير فى كل مكان حل فيه , ففى طاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه , ففى الطاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه كنيسة صغيرة لحياته الخاصة , وكان يقيم القداس يومياً , ويأتى إليه أحد الشمامسة فى الرابعة صباحاً فى ذلك المكان النائى لكى يشترك معه فى خدمة القداس , وهذا دليل على محبة الناس له .
وعندما ذهب إلى مصر القديمة , بنى هناك كنيسة وبيوتاً وعمر المكان , وأوجد هذه الفكرة الجميلة لرعاية الطلبة الجامعيين فى حضن الكنيسة , فالطالب يحضر القداس اليومى يكون تحت إشراف الراهب ورعايته ويأخذ أعترافه ويوجهه إلى طريق الرب , وتعميره لهذا المكان سبب تعمير المنطقة كلها فإننى أتذكر , عندما كنت ساكناً هناك كانت المنطقة كلها مزارع , وبإنشاء هذه الكنيسة , تشجع كل واحد وأشترى قطعة أرض وبناها سكناً لنفسه وعمر المكان , وصار هذا المكان يشع بالروحانية وله طابع خاص .
وعندما رسم بطريركا إهتم أيضاً بالتعمير , فبنى هذه الكاتدرائية الضخمة التى نقف فيها ألان , بنى الكلية الإكليريكية ومنزل الطلبة الملحق بها , وبنى المطبعة , ورمم الكنيسة المرقسية الكبرى , وبنى فى عهدة عشرات الكنائس الجديدة وبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإنتهى من بناء كنيسة متوسطة الحجم وقلالى للرهبان وإستراحة للضيوف , ووضع أساسا لكاتدرائية ضخمة , وكنت أراه بنفسى فى كنيسة مار مينا يقف وسط العمال ويشرف على البناء بنفسه , ويكاد يكون كل مكان من تخطيطه ومن رسمه وإرشاده كشخص خبير فى البناء , كان شعلة من النشاط لا يهدأ , ولا يعطى راحة لنفسه , وكان كثيرون ينصحونه بأن يستريح أو أن يخفف من العمل , ولكنه فى عمق مرضه كان يسأل عن الكنيسة وعن أخبارها , وهكذا قضى الفترة التى تصل إلى حوالى 12 سنة وكأنها جيل كبير مملوء بصالح الأعمال , وبالمفاهيم الصالحة .
ونشر الكرازة فى خارج القطر , سيكتب فى تاريخ الكنيسة القبطية أن أول كنيسة بنيت فى أستراليا وفى كندا وفى الولايات المتحدة والكويت ولبنان وغيرها كانت فى عهده .
كان رجلاً يشجع كل خادم يريد أن يخدم , ومحباً للعلم , وعندما كان راهباً فى دير البراموس , أصدر مجلة أسمها "ميناء الخلاص" , وفى عهد باباويته أنشأ فكرة المطبعة , وعندما يبنى لها مكان خاص وتؤدى رسالتها فى خدمة الكنيسة , سيذكر الجميع فضل البابا كيرلس فى إنشائها , ومهما تحدثنا عن حياة البابا كيرلس , لا نستطيع أن نحصر الأعمال التى قام بها .
لقد إستطاع أن يقيم أسسا راسخة لبعض المعانى والمفاهيم الكنسية , إنه أول بابا إهتم برسامة أساقفة لا مطارنة , مؤكداً هذه الوظيفة المعروفة من القوانين الكنسية والكتاب المقدس , فى عهد من سبقوه , كانت رتبة ألأسقفية قليلة , والكل مطارنة , أما البابا كيرلس , فقد قدم مفهوماً جديداً لكلمة أسقف .
كما قدم مفهوماً جديداً لتلميذ البابا , فإختار شباباً يتميز بالروحانية , والعلم , والخدمة , ليكونوا تلاميذ له , وكل الذين كانوا له تلاميذ له أصبحوا رهباناً .
ووضع نظاماً جديداً للرعاية فى الكنيسة وهو الأسقفيات المحددة , من قبل , كان يصعب على مطارنة الإيبارشيات الواسعة الإلمام بكل أطرافها , فجاء البابا كيرلس ووزع الأسقفيات على مناطق محددة حتى يتوفر لكل منطقة نصيب من الرعاية .
ومهما تحدثناً , فهناك نقطة أخرى لا ننساها , وهى الأعمال التى قام بها بعد نياحته , وهذا التعبير قد يبدوا غريباً , لقد أعد كل شئ لمشروعات عديدة , وربما تتاح لى الفرصة , بصلواته , أن أقوم بهذه المشروعات , ولكننى أشعر أنه هو الذى قام بها , يذكرنى هذا بقصة داود النبى الذى كان يعرف ان ابنه سليماتن غصن صغير , فأعد كل شئ لبناء الهيكل , وأكمل سليمان بناء الهيكل , وسمى هيكل سليمان , والفضل لداود , هكذا فعل البابا كيرلس الذى أعد كل شئ لمشروعاته العديدة تتم بمشيئة الرب بعد نياحته بمجهوده الخاص , وبإعداده , ويرجع الفضل إليه وحده أولاً وأخيراً , ولعل من بينها دير مار مينا الذى أحبه , وملك عليه عواطفه .
وكان يحب القديس مينا محبة ملأت عليه عواطفه , كان يجد لذه فى ذكر أسم مار مينا , كان بينه وبين مار مينا علاقة شخصية , يشعر أنه يتكلم عن شخص له به علاقة قوية ومحبة , فكثير من الكنائس صار فيها مذابح على أسم مار مينا وكنائس بنيت على أسم مار مينا , كان يتخذه شفيعاً له , ولذلك كان يود فى حياته أن يعيش فى هذا الدير طول عمره , لقد قرأت خطابات منه عندما كان القمص مينا المتوحد يطلب إعداد هذا الدير ليعيش فيه بقية أيام حياته .. وكان البابا كيرلس يحب القديسين والملائكة , وله بالقديسين عموما صلة صداقة , ونحن جميعاً من أبنائه الصغار , نشعر بمقدار الفراغ الكبير الذى تركه فى كنيستنا , ونرجو أن يذكرنا فى صلواته وشفاعته , فهو يستطيع أن يخدم الكنيسة فى مستقرة الحالى أكثر مما كان يخدمها فى الجسد .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة قداسة البابا شنودة الثالث لنياحة البابا كيرلس السادس
مرت سنوات منذ أن رحل من عالمنا الفان أبونا وسيدنا وراعينا قداسة البابا كيرلس السادس , ونحن نحتفل اليوم بذكراه وبالأعمال الطيبة التى عملها فى الكنيسة وبكل ما خلفه من عمل صالح سواء فى حياته الولى وهو راهب أو فى حياته الكهنوتية عموماً أو فى حبريته المقدسة كرئيس للكهنة جلس على كرسى مار مرقس حوالى 12 عاماً
لعل الرب يعطينى فرصة أن أكمل هذا الأحتفال بكلمة وفاء منا وحباً لهذا الب الكبير الذى تربينا فى كنفه زمناً , وقد قال الكتاب نكرم آباءنا على الأرض , ونذكر مرشدينا الذين أرشدونا فى طريق الرب .
فى الحقيقة حياة ابينا قداسة البابا كيرلس السادس حياة مملوءة بالعمل والبركة من كل ناحية , ومهما تكلمنا عنها لا نشبع .
وعلاقتى بقداسة البابا كيرلس ترجع إلى سنوات قبل رهبنتى , حينما سكنت عنده فى دير مار مينا بمصر القديمة سنتى 1950 - 1951 م قبل أن أترهبن , وما زلت أذكر غرفتى الخاصة فى هذا المبنى وأود أن أزورها فى وقت من الأوقات .
كان الذاهب لزيارة البابا كيرلس نه لا بد أن يحصل على ألاتى : لابد أن يرفع قداسته يده على رأسه ويصلى له صلاة , وأحياناً يقرأ له التحليل , فكنت فى كل مرة أزوره أشعر أنى لازم آخذ صلاة ولازم أخذ تحليل , كما أن كل واحد بيزوره لازم يأخذ قربانة , وأحياناً يصر أن يقدم له الطعام , فكان كريماً جداً فى مقابلة ضيوفه فى ذلك المكان
كنا نشعر بطيبة الرجل وقلبه المحب , وكانت له ايضاً إبتسامة رقيقة جداً وعذبة تجبر كل أنسان على محبته أمام هذه الإبتسامة الحلوة .
وكانت هذه هى الصلة الأولى والمحبة الأولى التى إستمرت فترة طويلة وإلى الان .
ثم حدث أنى ترهبت فى دير السريان , وحينما صار ابونا مينا المتوحد بطريركاً عينت سكرتيراً له مع أخوتى الباقيين , وكان قداسته إختار اربعة منا عملهم سكرتاريين : الأول هو نيافة الأنبا صموئيل , والثانى نيافة الأنبا دوماديوس , والثالث نيافة الأنبا يوأنس وأخيراً أنا .
وكان أول عمل عهد إلى به قداسة البابا هو وضع طقس الجاثليق - جاثليق أثيوبيا .. وقد أستفدت فى وضع هذا الطقس من المعلومات التى قدمت إلى من نيافة الأنبا غريغوريوس ,من الشماس د / يوسف منصور ووضعنا أيضاً صيغة التعهد الخاص بهذه الرسامة .
وفى فترة وجودى سكرتيراً للبابا كيرلس عيننى أيضاً مندوباً له فى كل اللجان التى شكلها لصالح الكنيسة ,, لجنة للرهبنة حوالى 14 من ألاباء الأساقفة , ولجنة شئون الكنيسة ضمت أيضاً العديد من الآباء الأساقفة , ولجنة القوانين الكنيسة فيها كثير من الآباء الاساقفة وكثير من رجال القانون , كان قداسته يعمل كل ما يستطيع من أجل أن يوفر جواً جديداً للكنيسة .
ولعل من النقط البارزة التى رأيناها فيه كبطريرك مسألة الحاشية , فهو أول بطريرك يهتم بأن تكون له حاشية على مستوى قوى ونظيف من أشخاص مباركين , فكان تلميذه الخاص هو الأخ سليمان الذى أصبح فيما بعد ابونا مينا أمين دير مار مينا وحالياً نيافة الأنبا مينا افامينا أسقف الدير .
وكان البابا كيرلس يحب جداً القديس مار مينا فتسمى فى رهبنته يأسم ابونا مينا المتوحد البراموسى , وبنى كنيسة فى مصر القديمة بأسم القديس مار مينا , وحرص على ان يأتى بعظام أو رفات مار مينا , جزء منها فى كنيسته فى مصر القديمة وجزء منها فى الدير .
ثم حرص أيضاً أن يزور الدير الأثرى القديم , وأن يبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإشترى لهذا الدير مائة فدان , وبنى الـ 5 أفدنة الأولى دير مار مينا الحالى .
وكان قداستة يحب هذا الدير كثيراً ويذهب إليه , ويقضى هناك شهوراً فى بعض الأوقات , وكان القديس مار مينا العجائبى شفيعة الأول , وإذا حلت به ضيقة من الضيقات يكون اسم مار مينا هو أول إسم امامه للأستشفاع به .
وأيضاً كتب فى وصيته أن يدفن فى دير مار مينا , ولعله أراد بهذا شيئين : أولاً محبته لهذا القديس العظيم .. وثانياً إحياء هذا الدير وتقويته لأن الألاف من أبنائه الذين يزورون الدير فى زيارات متتابعة لابد يهتمون بمكان يحفظ فيه جثمانه الطاهر .
البابا كيرلس بدأ أولاً حياته كراهب محب للوحدة وظل أسم المتوحد يلصق بإسمه إلى أن رسم بطريركاً .
رسم راهباً فى دير البراموس العامر . ثم أنتقل إلى مغارة قرب دير البراموس , ثم جاء إلى القاهرة بعد متاعب لآقاها مع الرهبان , وسكن فى طاحونة فى الجبل , وكان الناس يقصدونه هناك ويحبون هذا الإنسان المتوحد الذى يعيش فى الطاحونة .
وكان البابا كيرلس رجل صلاة يقيم القداس والعشية كل يوم حتى وهو فى الطاحونة فى الجبل .
يعنى جايز لما بقت له كنيسة وبيت فى مصر القديمة بقت ألمور سهلة , ولكن وهو فى الجبل فى الطاحونة كان المر صعباً , ومع ذلك كان الرب يرسل إليه الشمامسة الذين يخدمون معه فى ذلك المكان القصى وينتفعون ببركته .
وقد أعتدى عليه فى إحدى المرات وهو فى الطاحونة , بعض الناس أفتكروا الراجل المتوحد ده ناس كتير بتزورة ويمكن بيتركوا هدايا وعطايا , وحتى بعد هذا الإعتداء إستمر كما هو فى نفس المكان , وإستمر فى نفس القداسات
فى الحقيقة إذا ما أردنا أن نضع صورة رمزية للبابا كيرلس فأحسن صورة إما صورته تحيط به سحابة من البخور أو صورته وهو إلى جوار المذبح , لأن البخور كان دائماً فى حياته , كل يوم عشية بالليل وقداس بالصبح , رفع بخور عشية ورفع بخور باكر , وقداس فى كل يوم .
فهو لم يبتعد عن المذابح والبخور طوال أيام حياته إلا فى فترة مرضه الأخيرة حينما صحتة لم تعد تساعدة .
وحينما كان تحيط به مشكلة كان يلجأ إلى المذبح وإلى القداس , وهكذا كانت حياته فى المشاكل لا يتكلم كثيراً مع الناس وإنما يكلم الرب فى القداس .
وكان بسيطاً .. صفة البساطة صفة جميلة تعطيه كثيراً من نقاوة القلب .. عاش راهباً .. عاش متوحداً .. عاش رئيساً لدير الأنبا صموئيل , عاش أيضاً فى حياة الخدمة وهو راهب , فقد خدم فى أنواع الخدمات التى كانت تقدم من كنيسة مار مينا فى مصر القديمة .
وكان صحفياً أيضاً .. أول صحيفة عملها هو نشرة ميناء الخلاص , وقبل إنتقاله كان فى سبيل إصدار جريدة الضياء , وإن لم تصدر .
وكان رجل ألحان وتسبحة فكان يحفظ القداس عن ظهر قلب , ولم يكن يحب أن يوضع خلاجى على المذبح .
طبعاً قداسة البابا كيرلس لو أحصينا عدد القداسات التى اقامها فى حياته ستكون رقماً خيالياً , ففى كل سنة يصلى حوالى 360 قداساً , يعنى من أول ما أترسم قسيس وطول مدة وجوده كبطريرك صلى ألآف مؤلفة من القداسات , وبالطبع لم يكن محتاجاً لخولاجى أو إبصلمودية أو لأى كتاب من هذه الكتب .
فى حياته كبطريرك نذكر له عدة اشياء عديدة جداً , لعل أول شئ نذكره فى هذا المكان أنه بنى لنا هذه الكاتدرائية التى نجتمع فيها ألان , فى كل مرة ندخل الكاتدرائية نذكر هذا البابا الذى بناها , والحقيقة بناء الكاتدرائية كان شيئاً عجيباً , فكيف يتصور الإنسان أن تتم هذه الأساسات والهيكل الخرسانى فى حوالى 10 شهور , طبعاً رقم خيالى .
القداس الأول الذى أقيم بالكاتدرائية فى شهر يونية سنة 1968 م والذى صلى فيه كثير من ممثلى الكنائس الأرثوذكسية كل واحد بلغته كان مظهراً عجيباً بهذا المجمع المسكونى .
أرض الأنبا رويس قبل عهد البابا كيرلس كانت خلاء لا يوجد فيها سوى المبنى الكبير , أما فى عهده فقد بنيت الكاتدرائية الكبرى ومبنى الإكليريكية , كما بنى أيضاً مبنى الداخلية الخاص بمبيت طلبة الإكليريكية , وحالياً يبيت فيه كثير من ألاباء الأساقفة , وفى أيامنا بنى المقر الباباوى الجديد والميانى المحيطة بالمنارة , لقد تحول هذا المكان الذى كان خلاء ويسكنه عربان فى عشش إلى قلب الكنيسة النابض بأنواع متعددة من الأنشطة , البابا كيرلس كانت له موهبة التعمير , فكما بنى الكاتدرائية ينى أيضاً كنيسة مار مينا فى مصر القديمة , وبنى حولها بيتاً للطلبة المغتربين .
كان المغتربون يجدون عنده المكان المريح والأبوة الحانية والكرم والمعاملة الطيبة والقداسات اليومية والصلوات الليلية , ويعيشون كأنهم فى دير , أو قل كان اول بيت للمغتربين فى دير تحت رعاية أب روحى بهذا الشكل .
عهد البابا كيرلس السادس يتميز ايضاً بمعجزة ظهور العذراء فى الزيتون وما صاحبها من نهضة روحية عجيبة رن صداها فى الخارج , وألفت كتب بالإنجليزية والفرنسية فى كثير من البلاد الغربية , كما تابعت الحدث الجرائد الشرقية والعربية والأجنبية , وكانت مثار حديث عجيب فى كل مكان , وكان الظهور بركة لهذا الجيل .
البركة الأخرى رجوع رفات مار مرقس نتيجة التقارب فى العلاقات المسكونية بيننا وبين كنيسة روما , ولولا هذه المحبة ما كان فى الإمكان أن يعود جزء من رفات مار مرقس لكى يوجد هنا .
كما عاد رفات القديس أثناسيوس الرسولى , وأصبحت هذه الكاتدرائية تضم هاذين الكنزين .
من مميزات عصر البابا كيرلس السادس أيضاً علاقته بأثيوبيا حيث كانت تربطه بالإمبراطور هيلاسيلاسى محبة كبيرة .
أتذكر أننى حينما زرت الإمبراطور هيلاسيلاسى حدثنى فى أحاديثة الخاصة عن محبته الكبيرة للبابا كيرلس , وقال بالحرف الواحد : " أنا كنت معاه أشعر أننى طفل صغير مع اب كبير"
والإمبراطور فى محبته للبابا كيرلس زار مصر فى حبريته خمس مرات , وكان يزور الكاتدرائية ويحضر القداس ويتناول , وكانت العلاقات بين الدولتين تتوطد نتيجة لهذه العلاقات الطيبة .
أول زيارة للإمبراطور هيلاسيلاسى فى عهد البابا كيرلس كانت فى 28 يونيو سنة 1959 م حينما رسم أول جاثليق لأثيوبيا , وكان إحتفالاً دينياً مهيباً رقى فيه المطران باسيليوس لرتبه البطريرك جاثليق , ثم دعى البابا لزيارة أثيوبيا , وزارها زيارتين :
الزيارة الأولى : كانت فى 26 10/ 1960 م وأنتهز البابا هذه الزيارة فإحتفل إحتفالاً كنسياً بالعيد الثلاثينى لتنصيب الإمبراطور هيلاسيلاسى على عرش أثيوبيا , وكان ذلك فى 2 نوفمبر حيث أقام قداساً خاصاً تناول فيه الإمبراطور , ورجع البابا من هذه الرحلة فى 7 نوفمبر .
وكانت فرصة زار فيها جميع أديرة اثيوبيا التى أستطاع أن يزورها , طبعاًُ مش الكل لأن اثيوبيا فيها مئات ألديرة , وقد ذكرتهم فى الزيارة السابقة للبابا يؤأنس والتى مسح فيها ولى العهد أمبراطوراً , وذلك أن الكنيسة كانت تمسح الملك بالزيت المقدس فيصبح الإمبراطور ممسوحاً بالزيت المقدس بواسطة بابا الإسكندرية تماماً كما مسح صموئيل ملكاً فى العهد القديم , وكانت تجرى هذه العادة لأن الإمبراطور هيلاسيلاسى ينتسب إلى نسل داود وتوطدت العلاقة جداً , وكان ذلك تمهيداً لأنعقاد مؤتمر أديس أبابا سنة 1965 م , وسافر البابا كيرلس لأثيوبيا وأستقبل هناك كرئيس دولة , وضربت له المدفعية 21 طلقة , والجيش أستقبله بالتحية , والإمبراطور أسكنه فى مسكنه الخاص .
وفى مؤتمر أديس أبابا أعطى افمبراطور أوسمة لجميع رؤساء الكنائس ما عدا البابا كيرلس لأنه كان قد تلقى من قبل أكبر وسام فى اثيوبيا , ولا يوجد وسام اكبر منه يمكن ان يعطيه الإمبراطور إليه .. ويومها قال الإمبراطور لرؤساء الكنائس : " أعتبروا انكم أخذتم هذه الأوسمة من يد قداسة البابا كيرلس السادس " .. وعاش فى تلك الزيارة فى محبة إخوتنا الأثيوبيين وفى حراسة الأسود فى مقر الأسد الخارج من سبط يهوذا حسب لقب الإمبراطور .
بدأت هذه الزيارة فى 13 يناير سنة 1965 م وأنتهز فيها البابا كيرلس فرصة عيد الغطاس فى 19 يناير فرأس صلاة هذا العيد فى اثيوبيا وعاد فى 27 يناير من هذه السنة فى محبة كبيرة بينه وبين دولة أثيوبيا وإمبراطور أثيوبيا وإكليروس أثيوبيا .
ومن النقط الجميلة التى أحب أن اشير إليها فى هذا المجال أن البابا كيرلس لما زار أثيوبيا أول ما هبط من الطائرة إفتكر أنهم هايودوه القصر ليستريح , لذلك بعدما تمت مراسم الإستقبال قال لهم : " ودونى كنيسة اعمل فيها قداس " .. كان جايب معاه كل حاجه ومستعد للقداس وصايم , حتى القربان كان معاه .
وبدأت العناية الإلهية بأولادنا فى الخارج بزيارات من الآباء الذين كانوا يسافرون لتمثيل الكنيسة فى مؤتمرات فكانوا يفتقدون أبناء الكنيسة المغتربين والمهاجرين ويقيمون لهم القداسات , ثم بدأت الكنيسة فى إقامة كنائس فى المهجر بصفة رسمية أذكر من بينها الكنائس الآتية :
كنيسة فى الكويت وكنيسة لندن وكنيستان فى كندا واحدة فى تورنتو تأسست سنة 1964 م وأخرى فى مونتريال سنة 1968 م .. ثم أسس البابا كنيستين فى استراليا , كنيسة فى سيدنى وكنيسة فى ملبورن - كنيسة فى جرسى سيتى سنة 1969 م وكنيسة فى لوس أنجيلوس , فكان قداسته أول بابا يهتم بأولادنا فى الخارج على مستوى القارات آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا .
وفى عهده أيضاً تعمقت العلاقة المسكونية مع الكنائس فى الخارج على مستوى كبير جداً .
وفى الداخل نذكر شيئاً إهتم به البابا فحل مشكلة إستمرت حوالى مائة سنة ألا وهى مشكلة الأوقاف القبطية والنزاع بين الإكليروس والعلمانيين أعضاء المجلس الملى .
ففى عهده وبمفاوضات مع الدوله صدر قرار بقانون سنة 1960 م بإنشاء هيئة الأوقاف القبطية برئاسة البابا وعضوية ستة من الأراخنة وستة من أراخنة الشعب , وبذلك إنتهى النزاع حول الإشراف على الأوقاف .
وإهتم البابا أيضاً بالآثار القبطية وشكل لجنة كان من أشهر إنجازاتها حفريات تل أتريب .
البابا كيرلس السادس أيضاً قام برسامة عشرين من ألاباء الأساقفة والمطارنة , وكان أول من رسم أساقفة عموميين حيث كان يرسم أساقفة بدون إيبارشيات , فرسم ثلاثة من ألاباء الأساقفة العموميين هم : الأنبا صموئيل أسقف عام الخدمات والأنبا شنودة أسقف عام التعليم والأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمى والثقافة القبطية , وكان من الإصلاحات التى اجراها قداسته فى الرسامات أنه كسر مبدأ وراثة الأديرة مالإيبارشيات حتى تعطى للصالحين للرسامة بغض النظر عن الأديرة , كما بدأ أيضاً بتقسيم الإيبارشيات الكبيرة مثل إيبارشية الجيزة والقليوبية والدقهلية ودمياط , وعاش قداسة البابا يبحث عن كل شئ يحتاج لرعاية فيقيم له اللجان المتخصصة , فشكل لجنة لرعاية الكنائس وإفتقادها , ولجنة للإحتياجات الكنسية لإستيراد الشموع والبخور والأجراس وغيرها , ولجنة للآثار ولجان علمية أخرى .
وهكذا ظل فى نشاطه الذى يحبه إلى أن مرض مرضه ألخير , وكان يقاوم المرض ويداوم على الصلاة إلى أن منعه الأطباء , نذكر حياته الطاهرة ونذكر علاقته بشعبه ونذكر أيضاً شعبيته , فأول بابا إختلط مع الناس هذا الإختلاط الكامل هو البابا كيرلس , كل يوم بيعمل قداس والناس بيقابلوه فى القداس , يعنى على ألقل اللى مش عارف يقابل البابا كان بيقدر يقابله فى القداس , واللى مش فاضى وقت القداس كان بيروح عشية وبيقابله , فكان من الممكن لأى انسان يقابل البابا ويسلم عليه إما بالليل أو بالنهار , ودى حاجه كانت معروفه , وإن كان هناك شخص يريد أن يتحدث كثيراً مع البابا كان يحضر فى منتصف الليل أثناء التسبحة .
وإلى ألآن لا تزال شعبية البابا كيرلس مستمرة حتى يعد رقاده فى الرب , وما زلت أذكر ذلك الموكب الحزين للناس ممن كانوا يأخذون بركته من جثمانه الطاهر بعد أنتقاله فى بكاء مر وفى عاطفة قوية بأعداد لا تحصى .
نطلب بركة لأنفسنا وللكنيسة ونطلب صلواته عنا ونطلب أن يديم الرب علينا هذه البداية الطيبة التى بداها البابا كيرلس لكى تتابعها أجيال من بعده , ولنفسه الطاهرة كل إحترام وتوقير كأب وراع وإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين .
بركة صلواتهم تكون معانا جميعا
فى الذكرى الأولى لنياحة البابا كيرلس السادس
لقد مضى عام على نياحة البابا كيرلس السادس , وليست ادرى كيف أمضى هذا العام على ألألاف والملايين من محبيه , الذين لم يكن فى استطاعتهم أن ينسوا بركاته كل يوم , والذين كان صعباً عليهم أن يحرموا من شخصيته ومحبته وصلواته وقداساته .
ونحن بعد هذا العام نقف لنلقى كلمة وفاء بسيطة , ومهما كانت هذه الكلمة , فلا يمكن أن تفى أو ترتفع إلى المقام العظيم الذى يجلس فيه البابا كيرلس السادس .
إن البابا كيرلس , نيح الرب نفسه فى فردوس النعيم , أمضى حوالى 40 عاماً فى خدمة الكهنوت , وفى خلال تلك الفترة , حرص فى كل يوم أن يقيم القداس الإلهى .
لقد كان يحلو له أن يصلى جميع الصلوات , ويترنم بألحان التسبحة , ويصلى المزامير , ولا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله إنسان مثل البابا كيرلس السادس , إستطاع أن يقيم مثل هذه القداسات , لقد حاولت ان احصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته , فوجدت أنه صلى ما يزيد عن 12000 قداس ( بإستثناء الخمس سنين الخيرة التى مرض فيها ) وهذا أمر لم يحدث فى تاريخ أى بابا من باباوات الإسكندرية أو العالم أو الرهبان .
وكان يجد تعزية فى صلوات القداس , ولذة روحية فى صلوات التسبحة , وكل الذين يعرفونه شاهدوه ينزل من المقر الباباوى فى الثالثة صباحاً , ويصلى صلاة نصف الليل , ويرتل التسبحة بنفسه مع المرتلين فى الكنيسة , ثم يصلى القداس , ويخرج فى السادسة صباحاً قبل أن يصحو الناس .. كان عجيباً فى صلواته , وكانت الصلوات تتبعه فى كل مكان .
ومن محبته فى الصلاة إختار حياة الوحدة , فعاش متوحداً مدة طويلة , وتتلمذ على أكبر أستاذ كتب فى الوحدة فى تاريخ الرهبنة وهو القديس مار أسحق - لقد قرأت مئات الكتب النسكية , فلم أجد أعظم من كتابات مار أسحق عن حياة الوحدة والسكون .
ولقد كان البابا كيرلس يحب مار أسحق , ويقرأ كلماته ويحفظ الكثير منها , ونسخ بنفسه كتاب مار أسحق على ضوء شمعة فى مغارته وعلى لمبة من الغاز .
عاش فى وحدة فى مغارة قرب دير البراموس , يسهر الليالى فى قراءة أقوال الاباء , ويصلى فى الفجر ويقيم القداسات , وعاش فى طاحونة قرب مصر القديمة , ثم فى الكنيسة التى بناها بنفسه فى مصر القديمة , ولم يخرج من بابها إلا للضرورة القصوى , و‘ندما اعتلى كرسى مار مرقس , لم تتركه حياة الوحدة , بل كثيراً ما كان يذهب إلى دير مار مينا بصحراء مريوط .. وكان يريد أن يمتلئ من ثمار الوحدة لنفسه .
الوحدة كما تعلمها البابا كيرلس من مار أسحق , هى الإنسلاخ من الكل للإرتباط بالواحد .. لذلك كان كثير الصلوات , حتى فى اثناء وجوده وكلامه مع الناس .. كان صموتاً لا يتكلم كثيراً , لكى يعطى نفسه فرصة التأمل والصلاة , وكان أيضاً يعهد إلى الرب بمشاكلة , ويرى أن القداسات والصلوات هى التى تحل له المشاكل وليست المجهودات البشرية , وكلما كانت تحيط به الضيقات , يلجأ للوحدة والصلوات والقداسات , شاعراً أن معونة الرب هى أكبر من كل معونة بشرية , لقد اعطانا مثلاً كبيراً فى حياة التأمل والخدمة , مع أن جميعها ليس بالأمر الهين السهل , فقد كان يخدم الكنيسة بأقصى ما يستطيع , ومن جهة أخرى , يختلى بنفسه , ويأخذ من التأمل والوحدة على قدر ما تعطيه إمكانياته .
عاش كمرشد روحى للكثيرين فترة طويلة , وقبل أن يصير بابا الكرازة المرقسية كان ابا فى الإعتراف لمئات من طالبى إرشاده الروحى , وقد عرفت قداسته فى سنة 1948 م حينما كنت أتردد على كنيسته فى مصر القديمة , وإنتهى بى الأمر إلى أن سكنت هناك أتمتع بقداسته وصلواته ورعايته وإرشاده بقداساته وصلواته ورعايته وإرشاده فى ذلك الجو الجميل فى كنيسة مار مينا بمصر القديمة , كان كل زائر للكنيسة يذهب إلى القمص مينا المتوحد لكى يأخذ منه بركة وقوة وإيمان , وكنت فى زياراتى للدير فى وادى النطرون أرجع مباشرة إليه , فيسألنى عن الرهبان واحداً واحداً , لأنه يعرفهم باسمائهم , ويطمئن على كل واحد منهم , وكنا فى دير السريان نعتبر أنفسنا أبناء له , وكنا نذهب إليه فى أوقات متفرقة ونسترشد برأيه , وعندما ترك دير البراموس وذهب إلى دير النبا صموئيل , حيث عين رئيساً له , عمره وبنى القلالى المتهدمة فيه , كان محباً للأديرة , فرعى دير السريان , ودير البراموس , ودير الأنبا صموئيل , وبنى دير مار مينا , وبسط محبته على باقى الديرة .
كان البابا كيرلس رجلاً تتمثل فيه فضائل عديدة , فقد كان إنسانا بسيطاً هادئاً , وكان حكيماً عميقاً فى التفكير , كان يتميز أيضاً بالبكاء فى صلاته وفى قداساته , بل أننى أذكر أنه عندما وقعت القرعة الهيكلية على قداسته ليكون بطريركاً , جاء لزيارة وادى النطرون , وعندما اتى إلى دير السريان , طلب منى إلقاء كلمة للأب المختار للباباوية , فتكلمت قليلاً , وإذا به يمسك منديله ويمسح عينيه من الدموع , وتأثرت كثيراً ببكائة أمام جميع الناس .
كان طيب القلب , وإذا غضب أو تضايق , وظن الناس أنه فى ثورة كبيرة تجده للوقت يبتسم , أقل كلمة ترضيه وترجع الإبتسامة إلى وجهه ز
كان الناس يعجبون من صفحة وهدوئه وطيبة قلبه , وكانت له ايتسامة رقيقة يشرق معها وجهه كله , ويشعر الناظر إلى عينية أنه امام أنسان بسيط وليس أمام شيخ فى حوالى العقد السابع من عمره , لذلك كان محبوباً من الكل وله شعبية كبيرة .. حتى أن ألاف الطلبة كانوا يأتون فى ايام الإمتحانات يلتمسون بركته وصلواته , إستطاع فى فترة بسيطة أن تكون له شعبية فوق العادة , فعندما تذهب إلى البطريركية تجدها مزدحمة بالناس .. الكل يأتون إليه طالبين الصلوات أو البركات أو حل المشكلات , كثيرون لم يأتوا إليه لكى يعطيهم آراء عميقة أو صلاة طويلة , وإنما يكفيهم أن يقول لهم كلمة : " إن شاء الهنا يحلها " وهذا يقنعهم أكثر من ألاف الآراء المقنعة .
لذلك عنما تنيح البابا , تعطلت الشوارع المحيطة بالبطريركية من كثرة الناس الذين اتو لألقاء النظرة الأخيرة عليه , عشرات الألوف سدوا كل الطرق حتى أن رجال البوليس يذلو مجهوداً كبيراً يشكرون عليه من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة مساءاً والوفود لا تنقطع , الكل يريد أن يأخذ بركة البابا الراحل , وكان يوم الصلاة على جثمانه الطاهر يوماً عجيباً فى إزدحام الناس .
كان أول بابا فى جيلنا الحاضر فتح بابه لكل إنسان , كل فرد كان يستطيع أن يجلس معه ويكلمه بلا مانع ولا عائق , وهكذا إستطاع بشعبيته وبمقابلته لكل واحد أن يقضى على فكرة حاشية البطريرك , لأن كل أنسان يستطيع أن يعطيه المعلومات اللازمة فى أذنه مباشرة , فيعرف حقائق الأمور بطريق مباشر وليس عن طريق آخر , ولذلك كان يعرف تفاصيل التفاصيل فى كنيستنا المقدسة .
لقد تميز بذاكرة قوية يندر أن يتمتع بها غيرة , ذاكرة تستطيع أن تلم بأشياء يعسر على عقل بشرى عادى أن يلم بها , فكان يعرف كل الخدام ومشاكلهم فى دقة عجيبة , ويذكر كل الذين يقابلونه بأسمائهم , ويسلم على الشخص فيسأله عن حاله بطريقه وثيقة ويشعره بأبوته وإهتمامه بشخصة وبأن له مركزاً خاصاً فى عقل الرجل وقلبه , وكان عجيباً فى هذه الذاكرة , وإهتمامه بكل واحد جعله لا يعطى راحة لجسدة وفكرة , ولذلك ما أن مرت عليه 8 سنوات فى البطريركية , إلا وتكاثرت عليه ألمراض , ولم يعد الجسد قوياً كما كان فى أول عهدة , فالنير الشديد الذى تحمله البابا كان عظيماً وسط تجارب متنوعة وضيقات كثيرة .. أمراض كان يحتملها فى صمت عجيب دون أن يشكو لأحد .. كان المرض يهزة هزات قد تقلق راحة الأطباء المعالجين لقداستة , ومع ذلك لم يتكلم .. وإذا سأله أحد عن صحته قال وهو يبتسم : " الحمد لربنا .. كويس " وكان يؤمن بأن الرب يستطيع ان يتدخل أكثر من الأطباء ويشفى أكثر من الدواء , فى فترات مرضه , كان يحرص أن يسمع القداس الإلهى , لذلك أمر أن توضع سماعة فى حجرته الهاصة تنقل إليه صلوات الكنيسة يومياً .
لم يكن يستخدم كتاباً فى قداساته وصلواته فى كافة المناسبات , لذلك كان يصلى من قلبه , وأعترف أنه يعتبر أستاذاً فى الطقوس الكنسية فى جيلنا الحاضر , وأنتم تعلمون أن طقوس الكنيسة تؤخذ بالتسليم , وكان خبيراً بالكنيسة وطقوسها خبرة عجيبة , وكان قوى الشخصية , وله هيبة عند كثيرين .. وكان وقاره يطغى على الذين يقابلونه كما تطغى عليهم محبته , كان قوى الإرادة عنيفاً متمسكاً فيما أعتنقه ولا يمكن أن يتزعزع , بل راسخا ثابتاً كأنه جبل من الجبال , لا تؤثر فيه ألحداث ولا المقاومات , وإنما يكفى أن يكون مقتنعاً بفكرته , وإستطاع أن ينجح فى كل الأمور التى أمسكتها يداه , وكل الذين وقفوا ضده فى طريقة لم ينجح منهم أحد , كان إنساناً جمع بين الوداعة والقوة , والبساطة والحكمة , والبكاء والحزم , جمع بين امور كثيرة قد يظن الناس أن بين بعضها والبعض الآخر شيئاً من التناقض .
كان البابا كيرلس رجل تعمير فى كل مكان حل فيه , ففى طاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه , ففى الطاحونة الهواء فى مصر القديمة , بنى فيها حاجزاً ومذبحاً , ومهد المكان ليعد فيه كنيسة صغيرة لحياته الخاصة , وكان يقيم القداس يومياً , ويأتى إليه أحد الشمامسة فى الرابعة صباحاً فى ذلك المكان النائى لكى يشترك معه فى خدمة القداس , وهذا دليل على محبة الناس له .
وعندما ذهب إلى مصر القديمة , بنى هناك كنيسة وبيوتاً وعمر المكان , وأوجد هذه الفكرة الجميلة لرعاية الطلبة الجامعيين فى حضن الكنيسة , فالطالب يحضر القداس اليومى يكون تحت إشراف الراهب ورعايته ويأخذ أعترافه ويوجهه إلى طريق الرب , وتعميره لهذا المكان سبب تعمير المنطقة كلها فإننى أتذكر , عندما كنت ساكناً هناك كانت المنطقة كلها مزارع , وبإنشاء هذه الكنيسة , تشجع كل واحد وأشترى قطعة أرض وبناها سكناً لنفسه وعمر المكان , وصار هذا المكان يشع بالروحانية وله طابع خاص .
وعندما رسم بطريركا إهتم أيضاً بالتعمير , فبنى هذه الكاتدرائية الضخمة التى نقف فيها ألان , بنى الكلية الإكليريكية ومنزل الطلبة الملحق بها , وبنى المطبعة , ورمم الكنيسة المرقسية الكبرى , وبنى فى عهدة عشرات الكنائس الجديدة وبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإنتهى من بناء كنيسة متوسطة الحجم وقلالى للرهبان وإستراحة للضيوف , ووضع أساسا لكاتدرائية ضخمة , وكنت أراه بنفسى فى كنيسة مار مينا يقف وسط العمال ويشرف على البناء بنفسه , ويكاد يكون كل مكان من تخطيطه ومن رسمه وإرشاده كشخص خبير فى البناء , كان شعلة من النشاط لا يهدأ , ولا يعطى راحة لنفسه , وكان كثيرون ينصحونه بأن يستريح أو أن يخفف من العمل , ولكنه فى عمق مرضه كان يسأل عن الكنيسة وعن أخبارها , وهكذا قضى الفترة التى تصل إلى حوالى 12 سنة وكأنها جيل كبير مملوء بصالح الأعمال , وبالمفاهيم الصالحة .
ونشر الكرازة فى خارج القطر , سيكتب فى تاريخ الكنيسة القبطية أن أول كنيسة بنيت فى أستراليا وفى كندا وفى الولايات المتحدة والكويت ولبنان وغيرها كانت فى عهده .
كان رجلاً يشجع كل خادم يريد أن يخدم , ومحباً للعلم , وعندما كان راهباً فى دير البراموس , أصدر مجلة أسمها "ميناء الخلاص" , وفى عهد باباويته أنشأ فكرة المطبعة , وعندما يبنى لها مكان خاص وتؤدى رسالتها فى خدمة الكنيسة , سيذكر الجميع فضل البابا كيرلس فى إنشائها , ومهما تحدثنا عن حياة البابا كيرلس , لا نستطيع أن نحصر الأعمال التى قام بها .
لقد إستطاع أن يقيم أسسا راسخة لبعض المعانى والمفاهيم الكنسية , إنه أول بابا إهتم برسامة أساقفة لا مطارنة , مؤكداً هذه الوظيفة المعروفة من القوانين الكنسية والكتاب المقدس , فى عهد من سبقوه , كانت رتبة ألأسقفية قليلة , والكل مطارنة , أما البابا كيرلس , فقد قدم مفهوماً جديداً لكلمة أسقف .
كما قدم مفهوماً جديداً لتلميذ البابا , فإختار شباباً يتميز بالروحانية , والعلم , والخدمة , ليكونوا تلاميذ له , وكل الذين كانوا له تلاميذ له أصبحوا رهباناً .
ووضع نظاماً جديداً للرعاية فى الكنيسة وهو الأسقفيات المحددة , من قبل , كان يصعب على مطارنة الإيبارشيات الواسعة الإلمام بكل أطرافها , فجاء البابا كيرلس ووزع الأسقفيات على مناطق محددة حتى يتوفر لكل منطقة نصيب من الرعاية .
ومهما تحدثناً , فهناك نقطة أخرى لا ننساها , وهى الأعمال التى قام بها بعد نياحته , وهذا التعبير قد يبدوا غريباً , لقد أعد كل شئ لمشروعات عديدة , وربما تتاح لى الفرصة , بصلواته , أن أقوم بهذه المشروعات , ولكننى أشعر أنه هو الذى قام بها , يذكرنى هذا بقصة داود النبى الذى كان يعرف ان ابنه سليماتن غصن صغير , فأعد كل شئ لبناء الهيكل , وأكمل سليمان بناء الهيكل , وسمى هيكل سليمان , والفضل لداود , هكذا فعل البابا كيرلس الذى أعد كل شئ لمشروعاته العديدة تتم بمشيئة الرب بعد نياحته بمجهوده الخاص , وبإعداده , ويرجع الفضل إليه وحده أولاً وأخيراً , ولعل من بينها دير مار مينا الذى أحبه , وملك عليه عواطفه .
وكان يحب القديس مينا محبة ملأت عليه عواطفه , كان يجد لذه فى ذكر أسم مار مينا , كان بينه وبين مار مينا علاقة شخصية , يشعر أنه يتكلم عن شخص له به علاقة قوية ومحبة , فكثير من الكنائس صار فيها مذابح على أسم مار مينا وكنائس بنيت على أسم مار مينا , كان يتخذه شفيعاً له , ولذلك كان يود فى حياته أن يعيش فى هذا الدير طول عمره , لقد قرأت خطابات منه عندما كان القمص مينا المتوحد يطلب إعداد هذا الدير ليعيش فيه بقية أيام حياته .. وكان البابا كيرلس يحب القديسين والملائكة , وله بالقديسين عموما صلة صداقة , ونحن جميعاً من أبنائه الصغار , نشعر بمقدار الفراغ الكبير الذى تركه فى كنيستنا , ونرجو أن يذكرنا فى صلواته وشفاعته , فهو يستطيع أن يخدم الكنيسة فى مستقرة الحالى أكثر مما كان يخدمها فى الجسد .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة قداسة البابا شنودة الثالث لنياحة البابا كيرلس السادس
مرت سنوات منذ أن رحل من عالمنا الفان أبونا وسيدنا وراعينا قداسة البابا كيرلس السادس , ونحن نحتفل اليوم بذكراه وبالأعمال الطيبة التى عملها فى الكنيسة وبكل ما خلفه من عمل صالح سواء فى حياته الولى وهو راهب أو فى حياته الكهنوتية عموماً أو فى حبريته المقدسة كرئيس للكهنة جلس على كرسى مار مرقس حوالى 12 عاماً
لعل الرب يعطينى فرصة أن أكمل هذا الأحتفال بكلمة وفاء منا وحباً لهذا الب الكبير الذى تربينا فى كنفه زمناً , وقد قال الكتاب نكرم آباءنا على الأرض , ونذكر مرشدينا الذين أرشدونا فى طريق الرب .
فى الحقيقة حياة ابينا قداسة البابا كيرلس السادس حياة مملوءة بالعمل والبركة من كل ناحية , ومهما تكلمنا عنها لا نشبع .
وعلاقتى بقداسة البابا كيرلس ترجع إلى سنوات قبل رهبنتى , حينما سكنت عنده فى دير مار مينا بمصر القديمة سنتى 1950 - 1951 م قبل أن أترهبن , وما زلت أذكر غرفتى الخاصة فى هذا المبنى وأود أن أزورها فى وقت من الأوقات .
كان الذاهب لزيارة البابا كيرلس نه لا بد أن يحصل على ألاتى : لابد أن يرفع قداسته يده على رأسه ويصلى له صلاة , وأحياناً يقرأ له التحليل , فكنت فى كل مرة أزوره أشعر أنى لازم آخذ صلاة ولازم أخذ تحليل , كما أن كل واحد بيزوره لازم يأخذ قربانة , وأحياناً يصر أن يقدم له الطعام , فكان كريماً جداً فى مقابلة ضيوفه فى ذلك المكان
كنا نشعر بطيبة الرجل وقلبه المحب , وكانت له ايضاً إبتسامة رقيقة جداً وعذبة تجبر كل أنسان على محبته أمام هذه الإبتسامة الحلوة .
وكانت هذه هى الصلة الأولى والمحبة الأولى التى إستمرت فترة طويلة وإلى الان .
ثم حدث أنى ترهبت فى دير السريان , وحينما صار ابونا مينا المتوحد بطريركاً عينت سكرتيراً له مع أخوتى الباقيين , وكان قداسته إختار اربعة منا عملهم سكرتاريين : الأول هو نيافة الأنبا صموئيل , والثانى نيافة الأنبا دوماديوس , والثالث نيافة الأنبا يوأنس وأخيراً أنا .
وكان أول عمل عهد إلى به قداسة البابا هو وضع طقس الجاثليق - جاثليق أثيوبيا .. وقد أستفدت فى وضع هذا الطقس من المعلومات التى قدمت إلى من نيافة الأنبا غريغوريوس ,من الشماس د / يوسف منصور ووضعنا أيضاً صيغة التعهد الخاص بهذه الرسامة .
وفى فترة وجودى سكرتيراً للبابا كيرلس عيننى أيضاً مندوباً له فى كل اللجان التى شكلها لصالح الكنيسة ,, لجنة للرهبنة حوالى 14 من ألاباء الأساقفة , ولجنة شئون الكنيسة ضمت أيضاً العديد من الآباء الأساقفة , ولجنة القوانين الكنيسة فيها كثير من الآباء الاساقفة وكثير من رجال القانون , كان قداسته يعمل كل ما يستطيع من أجل أن يوفر جواً جديداً للكنيسة .
ولعل من النقط البارزة التى رأيناها فيه كبطريرك مسألة الحاشية , فهو أول بطريرك يهتم بأن تكون له حاشية على مستوى قوى ونظيف من أشخاص مباركين , فكان تلميذه الخاص هو الأخ سليمان الذى أصبح فيما بعد ابونا مينا أمين دير مار مينا وحالياً نيافة الأنبا مينا افامينا أسقف الدير .
وكان البابا كيرلس يحب جداً القديس مار مينا فتسمى فى رهبنته يأسم ابونا مينا المتوحد البراموسى , وبنى كنيسة فى مصر القديمة بأسم القديس مار مينا , وحرص على ان يأتى بعظام أو رفات مار مينا , جزء منها فى كنيسته فى مصر القديمة وجزء منها فى الدير .
ثم حرص أيضاً أن يزور الدير الأثرى القديم , وأن يبنى دير مار مينا فى صحراء مريوط , وإشترى لهذا الدير مائة فدان , وبنى الـ 5 أفدنة الأولى دير مار مينا الحالى .
وكان قداستة يحب هذا الدير كثيراً ويذهب إليه , ويقضى هناك شهوراً فى بعض الأوقات , وكان القديس مار مينا العجائبى شفيعة الأول , وإذا حلت به ضيقة من الضيقات يكون اسم مار مينا هو أول إسم امامه للأستشفاع به .
وأيضاً كتب فى وصيته أن يدفن فى دير مار مينا , ولعله أراد بهذا شيئين : أولاً محبته لهذا القديس العظيم .. وثانياً إحياء هذا الدير وتقويته لأن الألاف من أبنائه الذين يزورون الدير فى زيارات متتابعة لابد يهتمون بمكان يحفظ فيه جثمانه الطاهر .
البابا كيرلس بدأ أولاً حياته كراهب محب للوحدة وظل أسم المتوحد يلصق بإسمه إلى أن رسم بطريركاً .
رسم راهباً فى دير البراموس العامر . ثم أنتقل إلى مغارة قرب دير البراموس , ثم جاء إلى القاهرة بعد متاعب لآقاها مع الرهبان , وسكن فى طاحونة فى الجبل , وكان الناس يقصدونه هناك ويحبون هذا الإنسان المتوحد الذى يعيش فى الطاحونة .
وكان البابا كيرلس رجل صلاة يقيم القداس والعشية كل يوم حتى وهو فى الطاحونة فى الجبل .
يعنى جايز لما بقت له كنيسة وبيت فى مصر القديمة بقت ألمور سهلة , ولكن وهو فى الجبل فى الطاحونة كان المر صعباً , ومع ذلك كان الرب يرسل إليه الشمامسة الذين يخدمون معه فى ذلك المكان القصى وينتفعون ببركته .
وقد أعتدى عليه فى إحدى المرات وهو فى الطاحونة , بعض الناس أفتكروا الراجل المتوحد ده ناس كتير بتزورة ويمكن بيتركوا هدايا وعطايا , وحتى بعد هذا الإعتداء إستمر كما هو فى نفس المكان , وإستمر فى نفس القداسات
فى الحقيقة إذا ما أردنا أن نضع صورة رمزية للبابا كيرلس فأحسن صورة إما صورته تحيط به سحابة من البخور أو صورته وهو إلى جوار المذبح , لأن البخور كان دائماً فى حياته , كل يوم عشية بالليل وقداس بالصبح , رفع بخور عشية ورفع بخور باكر , وقداس فى كل يوم .
فهو لم يبتعد عن المذابح والبخور طوال أيام حياته إلا فى فترة مرضه الأخيرة حينما صحتة لم تعد تساعدة .
وحينما كان تحيط به مشكلة كان يلجأ إلى المذبح وإلى القداس , وهكذا كانت حياته فى المشاكل لا يتكلم كثيراً مع الناس وإنما يكلم الرب فى القداس .
وكان بسيطاً .. صفة البساطة صفة جميلة تعطيه كثيراً من نقاوة القلب .. عاش راهباً .. عاش متوحداً .. عاش رئيساً لدير الأنبا صموئيل , عاش أيضاً فى حياة الخدمة وهو راهب , فقد خدم فى أنواع الخدمات التى كانت تقدم من كنيسة مار مينا فى مصر القديمة .
وكان صحفياً أيضاً .. أول صحيفة عملها هو نشرة ميناء الخلاص , وقبل إنتقاله كان فى سبيل إصدار جريدة الضياء , وإن لم تصدر .
وكان رجل ألحان وتسبحة فكان يحفظ القداس عن ظهر قلب , ولم يكن يحب أن يوضع خلاجى على المذبح .
طبعاً قداسة البابا كيرلس لو أحصينا عدد القداسات التى اقامها فى حياته ستكون رقماً خيالياً , ففى كل سنة يصلى حوالى 360 قداساً , يعنى من أول ما أترسم قسيس وطول مدة وجوده كبطريرك صلى ألآف مؤلفة من القداسات , وبالطبع لم يكن محتاجاً لخولاجى أو إبصلمودية أو لأى كتاب من هذه الكتب .
فى حياته كبطريرك نذكر له عدة اشياء عديدة جداً , لعل أول شئ نذكره فى هذا المكان أنه بنى لنا هذه الكاتدرائية التى نجتمع فيها ألان , فى كل مرة ندخل الكاتدرائية نذكر هذا البابا الذى بناها , والحقيقة بناء الكاتدرائية كان شيئاً عجيباً , فكيف يتصور الإنسان أن تتم هذه الأساسات والهيكل الخرسانى فى حوالى 10 شهور , طبعاً رقم خيالى .
القداس الأول الذى أقيم بالكاتدرائية فى شهر يونية سنة 1968 م والذى صلى فيه كثير من ممثلى الكنائس الأرثوذكسية كل واحد بلغته كان مظهراً عجيباً بهذا المجمع المسكونى .
أرض الأنبا رويس قبل عهد البابا كيرلس كانت خلاء لا يوجد فيها سوى المبنى الكبير , أما فى عهده فقد بنيت الكاتدرائية الكبرى ومبنى الإكليريكية , كما بنى أيضاً مبنى الداخلية الخاص بمبيت طلبة الإكليريكية , وحالياً يبيت فيه كثير من ألاباء الأساقفة , وفى أيامنا بنى المقر الباباوى الجديد والميانى المحيطة بالمنارة , لقد تحول هذا المكان الذى كان خلاء ويسكنه عربان فى عشش إلى قلب الكنيسة النابض بأنواع متعددة من الأنشطة , البابا كيرلس كانت له موهبة التعمير , فكما بنى الكاتدرائية ينى أيضاً كنيسة مار مينا فى مصر القديمة , وبنى حولها بيتاً للطلبة المغتربين .
كان المغتربون يجدون عنده المكان المريح والأبوة الحانية والكرم والمعاملة الطيبة والقداسات اليومية والصلوات الليلية , ويعيشون كأنهم فى دير , أو قل كان اول بيت للمغتربين فى دير تحت رعاية أب روحى بهذا الشكل .
عهد البابا كيرلس السادس يتميز ايضاً بمعجزة ظهور العذراء فى الزيتون وما صاحبها من نهضة روحية عجيبة رن صداها فى الخارج , وألفت كتب بالإنجليزية والفرنسية فى كثير من البلاد الغربية , كما تابعت الحدث الجرائد الشرقية والعربية والأجنبية , وكانت مثار حديث عجيب فى كل مكان , وكان الظهور بركة لهذا الجيل .
البركة الأخرى رجوع رفات مار مرقس نتيجة التقارب فى العلاقات المسكونية بيننا وبين كنيسة روما , ولولا هذه المحبة ما كان فى الإمكان أن يعود جزء من رفات مار مرقس لكى يوجد هنا .
كما عاد رفات القديس أثناسيوس الرسولى , وأصبحت هذه الكاتدرائية تضم هاذين الكنزين .
من مميزات عصر البابا كيرلس السادس أيضاً علاقته بأثيوبيا حيث كانت تربطه بالإمبراطور هيلاسيلاسى محبة كبيرة .
أتذكر أننى حينما زرت الإمبراطور هيلاسيلاسى حدثنى فى أحاديثة الخاصة عن محبته الكبيرة للبابا كيرلس , وقال بالحرف الواحد : " أنا كنت معاه أشعر أننى طفل صغير مع اب كبير"
والإمبراطور فى محبته للبابا كيرلس زار مصر فى حبريته خمس مرات , وكان يزور الكاتدرائية ويحضر القداس ويتناول , وكانت العلاقات بين الدولتين تتوطد نتيجة لهذه العلاقات الطيبة .
أول زيارة للإمبراطور هيلاسيلاسى فى عهد البابا كيرلس كانت فى 28 يونيو سنة 1959 م حينما رسم أول جاثليق لأثيوبيا , وكان إحتفالاً دينياً مهيباً رقى فيه المطران باسيليوس لرتبه البطريرك جاثليق , ثم دعى البابا لزيارة أثيوبيا , وزارها زيارتين :
الزيارة الأولى : كانت فى 26 10/ 1960 م وأنتهز البابا هذه الزيارة فإحتفل إحتفالاً كنسياً بالعيد الثلاثينى لتنصيب الإمبراطور هيلاسيلاسى على عرش أثيوبيا , وكان ذلك فى 2 نوفمبر حيث أقام قداساً خاصاً تناول فيه الإمبراطور , ورجع البابا من هذه الرحلة فى 7 نوفمبر .
وكانت فرصة زار فيها جميع أديرة اثيوبيا التى أستطاع أن يزورها , طبعاًُ مش الكل لأن اثيوبيا فيها مئات ألديرة , وقد ذكرتهم فى الزيارة السابقة للبابا يؤأنس والتى مسح فيها ولى العهد أمبراطوراً , وذلك أن الكنيسة كانت تمسح الملك بالزيت المقدس فيصبح الإمبراطور ممسوحاً بالزيت المقدس بواسطة بابا الإسكندرية تماماً كما مسح صموئيل ملكاً فى العهد القديم , وكانت تجرى هذه العادة لأن الإمبراطور هيلاسيلاسى ينتسب إلى نسل داود وتوطدت العلاقة جداً , وكان ذلك تمهيداً لأنعقاد مؤتمر أديس أبابا سنة 1965 م , وسافر البابا كيرلس لأثيوبيا وأستقبل هناك كرئيس دولة , وضربت له المدفعية 21 طلقة , والجيش أستقبله بالتحية , والإمبراطور أسكنه فى مسكنه الخاص .
وفى مؤتمر أديس أبابا أعطى افمبراطور أوسمة لجميع رؤساء الكنائس ما عدا البابا كيرلس لأنه كان قد تلقى من قبل أكبر وسام فى اثيوبيا , ولا يوجد وسام اكبر منه يمكن ان يعطيه الإمبراطور إليه .. ويومها قال الإمبراطور لرؤساء الكنائس : " أعتبروا انكم أخذتم هذه الأوسمة من يد قداسة البابا كيرلس السادس " .. وعاش فى تلك الزيارة فى محبة إخوتنا الأثيوبيين وفى حراسة الأسود فى مقر الأسد الخارج من سبط يهوذا حسب لقب الإمبراطور .
بدأت هذه الزيارة فى 13 يناير سنة 1965 م وأنتهز فيها البابا كيرلس فرصة عيد الغطاس فى 19 يناير فرأس صلاة هذا العيد فى اثيوبيا وعاد فى 27 يناير من هذه السنة فى محبة كبيرة بينه وبين دولة أثيوبيا وإمبراطور أثيوبيا وإكليروس أثيوبيا .
ومن النقط الجميلة التى أحب أن اشير إليها فى هذا المجال أن البابا كيرلس لما زار أثيوبيا أول ما هبط من الطائرة إفتكر أنهم هايودوه القصر ليستريح , لذلك بعدما تمت مراسم الإستقبال قال لهم : " ودونى كنيسة اعمل فيها قداس " .. كان جايب معاه كل حاجه ومستعد للقداس وصايم , حتى القربان كان معاه .
وبدأت العناية الإلهية بأولادنا فى الخارج بزيارات من الآباء الذين كانوا يسافرون لتمثيل الكنيسة فى مؤتمرات فكانوا يفتقدون أبناء الكنيسة المغتربين والمهاجرين ويقيمون لهم القداسات , ثم بدأت الكنيسة فى إقامة كنائس فى المهجر بصفة رسمية أذكر من بينها الكنائس الآتية :
كنيسة فى الكويت وكنيسة لندن وكنيستان فى كندا واحدة فى تورنتو تأسست سنة 1964 م وأخرى فى مونتريال سنة 1968 م .. ثم أسس البابا كنيستين فى استراليا , كنيسة فى سيدنى وكنيسة فى ملبورن - كنيسة فى جرسى سيتى سنة 1969 م وكنيسة فى لوس أنجيلوس , فكان قداسته أول بابا يهتم بأولادنا فى الخارج على مستوى القارات آسيا وأوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا .
وفى عهده أيضاً تعمقت العلاقة المسكونية مع الكنائس فى الخارج على مستوى كبير جداً .
وفى الداخل نذكر شيئاً إهتم به البابا فحل مشكلة إستمرت حوالى مائة سنة ألا وهى مشكلة الأوقاف القبطية والنزاع بين الإكليروس والعلمانيين أعضاء المجلس الملى .
ففى عهده وبمفاوضات مع الدوله صدر قرار بقانون سنة 1960 م بإنشاء هيئة الأوقاف القبطية برئاسة البابا وعضوية ستة من الأراخنة وستة من أراخنة الشعب , وبذلك إنتهى النزاع حول الإشراف على الأوقاف .
وإهتم البابا أيضاً بالآثار القبطية وشكل لجنة كان من أشهر إنجازاتها حفريات تل أتريب .
البابا كيرلس السادس أيضاً قام برسامة عشرين من ألاباء الأساقفة والمطارنة , وكان أول من رسم أساقفة عموميين حيث كان يرسم أساقفة بدون إيبارشيات , فرسم ثلاثة من ألاباء الأساقفة العموميين هم : الأنبا صموئيل أسقف عام الخدمات والأنبا شنودة أسقف عام التعليم والأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمى والثقافة القبطية , وكان من الإصلاحات التى اجراها قداسته فى الرسامات أنه كسر مبدأ وراثة الأديرة مالإيبارشيات حتى تعطى للصالحين للرسامة بغض النظر عن الأديرة , كما بدأ أيضاً بتقسيم الإيبارشيات الكبيرة مثل إيبارشية الجيزة والقليوبية والدقهلية ودمياط , وعاش قداسة البابا يبحث عن كل شئ يحتاج لرعاية فيقيم له اللجان المتخصصة , فشكل لجنة لرعاية الكنائس وإفتقادها , ولجنة للإحتياجات الكنسية لإستيراد الشموع والبخور والأجراس وغيرها , ولجنة للآثار ولجان علمية أخرى .
وهكذا ظل فى نشاطه الذى يحبه إلى أن مرض مرضه ألخير , وكان يقاوم المرض ويداوم على الصلاة إلى أن منعه الأطباء , نذكر حياته الطاهرة ونذكر علاقته بشعبه ونذكر أيضاً شعبيته , فأول بابا إختلط مع الناس هذا الإختلاط الكامل هو البابا كيرلس , كل يوم بيعمل قداس والناس بيقابلوه فى القداس , يعنى على ألقل اللى مش عارف يقابل البابا كان بيقدر يقابله فى القداس , واللى مش فاضى وقت القداس كان بيروح عشية وبيقابله , فكان من الممكن لأى انسان يقابل البابا ويسلم عليه إما بالليل أو بالنهار , ودى حاجه كانت معروفه , وإن كان هناك شخص يريد أن يتحدث كثيراً مع البابا كان يحضر فى منتصف الليل أثناء التسبحة .
وإلى ألآن لا تزال شعبية البابا كيرلس مستمرة حتى يعد رقاده فى الرب , وما زلت أذكر ذلك الموكب الحزين للناس ممن كانوا يأخذون بركته من جثمانه الطاهر بعد أنتقاله فى بكاء مر وفى عاطفة قوية بأعداد لا تحصى .
نطلب بركة لأنفسنا وللكنيسة ونطلب صلواته عنا ونطلب أن يديم الرب علينا هذه البداية الطيبة التى بداها البابا كيرلس لكى تتابعها أجيال من بعده , ولنفسه الطاهرة كل إحترام وتوقير كأب وراع وإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين .
بركة صلواتهم تكون معانا جميعا