الخدمة الروحية والاجتماعية
بقلم قداسة البابا شنودة
16\5\2010
الإنسان الروحي لا يحيا لنفسه فقط, وما أجمل المثل الذي يقول: ما عاش من عاش لنفسه فقط, ففي خدمة الآخرين لابد أن يخرج الإنسان من قوقعة نفسه ليلتقي بالغير, ويشبع الكل من محبته.
ويشعر بأن رسالته في الحياة هي أن يفعل خيرا مع كل من يدفعه الله في طريقه, وكلما يتسع قلبه, تتسع دائرة خدمته, فلا تقتصر علي معارفه وزملائه وأصدقائه, بل تصل إلي نطاق أوسع بكثير. ومادام الإنسان يستطيع أن يعمل الخير نحو الغير, فعدم قيامه بذلك يعتبر خطيئة, ولنضع أمامنا هذه القاعدة من يعرف أن يعمل خيرا ولا يفعل فتلك خطية له. وخدمة الآخرين في جوهرها ما هي إلا تعبير عن الحب المختزن في القلب من نحو الله والناس, فأنت إن أحببت الناس فسوف تخدمهم بكل الوسائل المتاحة لك والنافعة لهم. والخدمة المقدمة للآخرين, منها الروحية والاجتماعية أيضا وخدمات أخري, فمن جهة الخدمة الروحية نذكر التعليم الروحي وقيادة الغير إلي التوبة, لأن من رد خاطئا عن ضلال, يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا, أما الخدمة الاجتماعية فهي الاهتمام باحتياجات الآخرين الذين لا يجدون كفايتهم في أمور المعيشة, ونذكر من بين هؤلاء: الفقراء والمعوزين والأيتام والأرامل والمرضي وكل المضارين والمحتاجين, فاسأل نفسك: ما مصير الآخرين في حياتك؟
اتذكر أنه في إحدي المرات سألني طبيب جراح عما يستطيع أن يعمله لأجل الآخرين, فقلت له: علي الأقل عشر العمليات الجراحية التي تقوم بإجرائها لتكن للفقراء والمحتاجين بغير أجر, وهكذا يكون لله وللناس نصيب في علمك وعملك, وبهذا تعبر عن محبتك للفقراء.
وما أجمل ما تقدمه بعض الهيئات المحلية أو العالمية من خدمات مثل جمعيات الاسعاف وهيئة اطفاء الحرائق والهيئات الدولية للاغاثة, وأمثالها التي تقدم معونة في حالات الكوارث الطبيعية كالفيضانات أو السيول أو المجاعات, ومن تلقاء ذاتها تقوم بإغاثة المحتاجين.
إن كل شخص مطالب بأن يفعل شيئا من أجل أخيه الإنسان, دون أن يكلف بذلك من هيئة رسمية, بل إن كل شخص عليه أن يخدم غيره حسب النعمة المعطاة له, والإنسان الخدوم أقصد الذي فيه روح الخدمة تجده يخدم في كل مجال: في البيت, في مكان العمل أو الدراسة, في الطريق, في النادي.. مع كل أحد, إنه إنسان معطاء كل من يقابله لابد أن ينال من عطائه.
وفي خدمتك لللآخرين سوف تنال فوائد كثيرة لنفسك.
فكما تعطي المخدومين حبا من قلبك, كذلك يشبع قلبك حبا بهذه الخدمة, فالذي يخدم الأيتام أو المرضي أو المعوقين أو الفقراء والمحتاجين عموما لاشك أن قلبه سيمتليء في الخدمة بمشاعر عميقة تسمو بنفسه, فإن العاطفة التي يكتسبها الإنسان في حماية الآخرين من الألم والمعاناة هي أقوي بكثير من الخيرات الروحية, ومن علاقته بالله الذي يعينه في الخدمة.
فلا شك أنك في الخدمة يعمل الله معك, ويعمل فيك, ويعمل بك, وفي كل ذلك تري عجائب من عمل الله, كيف يتدخل في كل الأمور المعقدة, ويفتح لك بعض الأبواب المغلقة, أو يقدم لك حلولا للمشاكل ما كنت تفكر فيها, أو يرسل لك معونات من حيث لا تدري, فتمجد الله في كل عملك, أما الذين لا يخدمون الغير فإنهم يحرمون أنفسهم من كل هذه الخيرات الروحية.
والخدمة أيضا تفيدك في أنها مدرسة للصلاة, ذلك لأنك كلما تخدم الآخرين أو تعمل علي حل مشاكلهم, كلما تشعر بأن هناك أمورا تحتاج إلي معونة إلهية, فتتدرب علي الصلاة من أجلها, كما أنك تصلي لكي يبارك الله العمل الذي تعمله, ولا يتركك وحدك, وقد تصلي وتطلب قائلا: إن هؤلاء الناس المحتاجين يحتاجون بالأكثر أن تكون لهم علاقة بك يارب متصلة دائما من أجلهم, فأعطني ذلك ليس من أجلهم فقط, وإنما أيضا من أجل نفسي لكي ترعاني وترعاهم, وتحفظني وتحفظهم, وليتني أكون جسرا صالحا يصلون به إليك. والخدمة تمنح الإنسان ألوانا من المعرفة, فيعرف مشاكل الناس, ويعرف تفاصيل كثيرة عن النفس البشرية وما يدور فيها من مشاعر, ويعرف أيضا الحلول العملية لكل ما يتعرض له الناس من مشاكل داخلية وخارجية, وإن لم يكن يعرف, فعلي الأقل سيري كيف يتدخل المرشدون الروحيون في حل تلك المشاكل فتزداد خبرته في الحياة. هناك أشخاص لا يقومون بالخدمة في ذاتها ولكنهم يساعدون علي ذلك بما يتبرعون به للخدمة, أو علي الأقل يقومون بخدمة الصلاة من أجل أن ينجح الله خدمة العاملين ومن أجل أن يحل المشاكل, وقد تكون لصلواتهم استجابة أكثر نفعا, وتكون هي الخدمة الخفية التي تقوم علي أساسها الخدمة الظاهرة.
من شروط الخدمة أن تحب الناس الذين تخدمهم, ولا يكون في نفسك ضيق أو تبرج, واعرف أن طلاب الحاجات قد يلجأون أحيانا إلي الكذب والاحتيال, أو يمتزج طلبهم بإلحاح متعب, أو بضجيج وعلو صوت, وقد يتبرم البعض بهم فيطردهم أو يقسو عليهم! أما القلب المحب الخدوم, فإنه لا يكتفي بمساعدة المحتاجين, إنما يحتمل أيضا متاعبهم ويشعر أنه لولا احتياجهم الشديد, ما كانوا يلجأون إلي تلك الأخطاء.
لا تجعل خدمتك للمحتاجين تتصف بالروتين, أو مجرد النشاط بدون روح, ولا تسمح للخدمة أن تفقدك وداعتك وتواضعك, ولا تسمح لشيطان المجد الباطل بأن يتعبك بالمديح أو أن يرتفع قلبك بذلك, بل قل لنفسك باستمرار: أنا ما دخلت إلي الخدمة لكي أقع في خطايا جديدة, إنما لكي أنمو روحيا! إنما إن نجحت في خدمتك, فلا تنسب ذلك إلي نفسك, وإنما إلي الله الذي ساعدك, وإلي الآخرين الذين تعاونوا معك, وفي خدمة الفقراء ابعد عن أسلوب الأمر والنهي, وليكن لك أدب التخاطب مع الصغير كما مع الكبير, ومهما أوتيت من سلطة في الخدمة, لا تكلم الناس من فوق, ولا تتعال علي أحد, ولا تقل عن نفسك إنك فاعل خير, وإنما أنت خادم للخير.
بقلم قداسة البابا شنودة
16\5\2010
الإنسان الروحي لا يحيا لنفسه فقط, وما أجمل المثل الذي يقول: ما عاش من عاش لنفسه فقط, ففي خدمة الآخرين لابد أن يخرج الإنسان من قوقعة نفسه ليلتقي بالغير, ويشبع الكل من محبته.
ويشعر بأن رسالته في الحياة هي أن يفعل خيرا مع كل من يدفعه الله في طريقه, وكلما يتسع قلبه, تتسع دائرة خدمته, فلا تقتصر علي معارفه وزملائه وأصدقائه, بل تصل إلي نطاق أوسع بكثير. ومادام الإنسان يستطيع أن يعمل الخير نحو الغير, فعدم قيامه بذلك يعتبر خطيئة, ولنضع أمامنا هذه القاعدة من يعرف أن يعمل خيرا ولا يفعل فتلك خطية له. وخدمة الآخرين في جوهرها ما هي إلا تعبير عن الحب المختزن في القلب من نحو الله والناس, فأنت إن أحببت الناس فسوف تخدمهم بكل الوسائل المتاحة لك والنافعة لهم. والخدمة المقدمة للآخرين, منها الروحية والاجتماعية أيضا وخدمات أخري, فمن جهة الخدمة الروحية نذكر التعليم الروحي وقيادة الغير إلي التوبة, لأن من رد خاطئا عن ضلال, يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا, أما الخدمة الاجتماعية فهي الاهتمام باحتياجات الآخرين الذين لا يجدون كفايتهم في أمور المعيشة, ونذكر من بين هؤلاء: الفقراء والمعوزين والأيتام والأرامل والمرضي وكل المضارين والمحتاجين, فاسأل نفسك: ما مصير الآخرين في حياتك؟
اتذكر أنه في إحدي المرات سألني طبيب جراح عما يستطيع أن يعمله لأجل الآخرين, فقلت له: علي الأقل عشر العمليات الجراحية التي تقوم بإجرائها لتكن للفقراء والمحتاجين بغير أجر, وهكذا يكون لله وللناس نصيب في علمك وعملك, وبهذا تعبر عن محبتك للفقراء.
وما أجمل ما تقدمه بعض الهيئات المحلية أو العالمية من خدمات مثل جمعيات الاسعاف وهيئة اطفاء الحرائق والهيئات الدولية للاغاثة, وأمثالها التي تقدم معونة في حالات الكوارث الطبيعية كالفيضانات أو السيول أو المجاعات, ومن تلقاء ذاتها تقوم بإغاثة المحتاجين.
إن كل شخص مطالب بأن يفعل شيئا من أجل أخيه الإنسان, دون أن يكلف بذلك من هيئة رسمية, بل إن كل شخص عليه أن يخدم غيره حسب النعمة المعطاة له, والإنسان الخدوم أقصد الذي فيه روح الخدمة تجده يخدم في كل مجال: في البيت, في مكان العمل أو الدراسة, في الطريق, في النادي.. مع كل أحد, إنه إنسان معطاء كل من يقابله لابد أن ينال من عطائه.
وفي خدمتك لللآخرين سوف تنال فوائد كثيرة لنفسك.
فكما تعطي المخدومين حبا من قلبك, كذلك يشبع قلبك حبا بهذه الخدمة, فالذي يخدم الأيتام أو المرضي أو المعوقين أو الفقراء والمحتاجين عموما لاشك أن قلبه سيمتليء في الخدمة بمشاعر عميقة تسمو بنفسه, فإن العاطفة التي يكتسبها الإنسان في حماية الآخرين من الألم والمعاناة هي أقوي بكثير من الخيرات الروحية, ومن علاقته بالله الذي يعينه في الخدمة.
فلا شك أنك في الخدمة يعمل الله معك, ويعمل فيك, ويعمل بك, وفي كل ذلك تري عجائب من عمل الله, كيف يتدخل في كل الأمور المعقدة, ويفتح لك بعض الأبواب المغلقة, أو يقدم لك حلولا للمشاكل ما كنت تفكر فيها, أو يرسل لك معونات من حيث لا تدري, فتمجد الله في كل عملك, أما الذين لا يخدمون الغير فإنهم يحرمون أنفسهم من كل هذه الخيرات الروحية.
والخدمة أيضا تفيدك في أنها مدرسة للصلاة, ذلك لأنك كلما تخدم الآخرين أو تعمل علي حل مشاكلهم, كلما تشعر بأن هناك أمورا تحتاج إلي معونة إلهية, فتتدرب علي الصلاة من أجلها, كما أنك تصلي لكي يبارك الله العمل الذي تعمله, ولا يتركك وحدك, وقد تصلي وتطلب قائلا: إن هؤلاء الناس المحتاجين يحتاجون بالأكثر أن تكون لهم علاقة بك يارب متصلة دائما من أجلهم, فأعطني ذلك ليس من أجلهم فقط, وإنما أيضا من أجل نفسي لكي ترعاني وترعاهم, وتحفظني وتحفظهم, وليتني أكون جسرا صالحا يصلون به إليك. والخدمة تمنح الإنسان ألوانا من المعرفة, فيعرف مشاكل الناس, ويعرف تفاصيل كثيرة عن النفس البشرية وما يدور فيها من مشاعر, ويعرف أيضا الحلول العملية لكل ما يتعرض له الناس من مشاكل داخلية وخارجية, وإن لم يكن يعرف, فعلي الأقل سيري كيف يتدخل المرشدون الروحيون في حل تلك المشاكل فتزداد خبرته في الحياة. هناك أشخاص لا يقومون بالخدمة في ذاتها ولكنهم يساعدون علي ذلك بما يتبرعون به للخدمة, أو علي الأقل يقومون بخدمة الصلاة من أجل أن ينجح الله خدمة العاملين ومن أجل أن يحل المشاكل, وقد تكون لصلواتهم استجابة أكثر نفعا, وتكون هي الخدمة الخفية التي تقوم علي أساسها الخدمة الظاهرة.
من شروط الخدمة أن تحب الناس الذين تخدمهم, ولا يكون في نفسك ضيق أو تبرج, واعرف أن طلاب الحاجات قد يلجأون أحيانا إلي الكذب والاحتيال, أو يمتزج طلبهم بإلحاح متعب, أو بضجيج وعلو صوت, وقد يتبرم البعض بهم فيطردهم أو يقسو عليهم! أما القلب المحب الخدوم, فإنه لا يكتفي بمساعدة المحتاجين, إنما يحتمل أيضا متاعبهم ويشعر أنه لولا احتياجهم الشديد, ما كانوا يلجأون إلي تلك الأخطاء.
لا تجعل خدمتك للمحتاجين تتصف بالروتين, أو مجرد النشاط بدون روح, ولا تسمح للخدمة أن تفقدك وداعتك وتواضعك, ولا تسمح لشيطان المجد الباطل بأن يتعبك بالمديح أو أن يرتفع قلبك بذلك, بل قل لنفسك باستمرار: أنا ما دخلت إلي الخدمة لكي أقع في خطايا جديدة, إنما لكي أنمو روحيا! إنما إن نجحت في خدمتك, فلا تنسب ذلك إلي نفسك, وإنما إلي الله الذي ساعدك, وإلي الآخرين الذين تعاونوا معك, وفي خدمة الفقراء ابعد عن أسلوب الأمر والنهي, وليكن لك أدب التخاطب مع الصغير كما مع الكبير, ومهما أوتيت من سلطة في الخدمة, لا تكلم الناس من فوق, ولا تتعال علي أحد, ولا تقل عن نفسك إنك فاعل خير, وإنما أنت خادم للخير.